مجلة الكترونية - الهيئة الشعبية لتحرير الجولان ( موقع غير رسمي)
نتمى قضاء وقت ممتع في ربوع المقاومة
مجلة الكترونية - الهيئة الشعبية لتحرير الجولان ( موقع غير رسمي)
نتمى قضاء وقت ممتع في ربوع المقاومة
مجلة الكترونية - الهيئة الشعبية لتحرير الجولان ( موقع غير رسمي)
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مجلة الكترونية - الهيئة الشعبية لتحرير الجولان ( موقع غير رسمي)

الهيئة الشعبية لتحرير الجولان : وهي هيئة سياسية ـ اجتماعية ـ عسكرية تضم في صفوفها أبناء الجولان و أبناء القطر العربي السوري و الأحرار من البلدان العربية وتفتح الهيئة باب الانتساب لكل من أتم الثامنة عشرة من عمره و أطلع على النظام الداخلي ووافق عليه
 
البوابةالبوابة  تحرير الجولان تحرير الجولان  الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

دمشق: الإنفجار في المزة ناجم عن محاولة لاستهداف مطار المزة العسكري   مقتل قائد لواء الرقة الإسلامي و36 من عناصره بعملية للجيش قرب الفرقة 17


 

 نجوم في بلّورة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد أحمد العبدالله
Admin
محمد أحمد العبدالله


عدد المساهمات : 299
تاريخ التسجيل : 26/07/2011

نجوم في بلّورة Empty
مُساهمةموضوع: نجوم في بلّورة   نجوم في بلّورة Emptyالأحد سبتمبر 16, 2012 7:46 am

نجوم في بلّورة
منال حمدي - الأردن
دستُ على الكوابح بشكل مفاجئ، فانبعثت من العجلات المتوقفة بعنف شاحطةً بالإسفلت رائحةٌ تشبه الاحتراق. التفتُّ إلى طفلي الأصَمّ الذي استيقظ بهلع. احتضنته ومسّدتُ على شعره محاولة تهدئة الخوف الذي بدا في عينيه. تلفتُّ أنظر إلى الوادي المحاذي ليمين السيارة:
"أنا أسلك الطريق الخاطئة نحو القرية! هل نسيتها؟ ربما؛ فأنا لم أزرها منذ سنوات".
تابعتُ السير بعدما سلكت الطريق الصحيحة، إلا أنَّ ذكرياتي التي تتحول في كل مرة إلى زائر ثقيل لم تفارقني، وظلت تتوالى متسلسلة دون انقطاع.
* * *
مددتُ يدي لطفلي، وقلت له بلغة الصمِّ التي لا يحتاج أحد أن يتعلمها إلا إذا كان أصَمّ، أو يعيش في محيطه مَن هو أصم.
"أعطني هذا".

لغة ليست دارجة. سحقاً لهذا العالم البغيض المتكلم بجميع اللغات دون لغة هؤلاء، وكأنه يقصيهم عن الحياة.
كانت بلورة في داخلها زئبق، يحركها ببطء مقيت فتتحركُ القصاصات الصغيرة الذهبية اللّمّاعة والفضيّة، وبعضُ أشكال من النجوم. وضعتها أمامي على الطاولة. أخذتُ بأنملتي أحرك هذا العالم الدائري ثم أستجيب لغياب وتماه لذيذ يهبني إياه. مدٌّ يفضّه جَزْرٌ متيقظ وحذر دائماً. اقترب مني وتناولها، دون حتى أن يلفت انتباهي ولو بحركة صغيرة منه، وذهب. لحقتُ به. نظرتُ إليه واضعةً كفاً على خصري والأخرى أضرب بأطراف أصابعي الطاولة، لكنني انتبهت أنني لم أكن موجودة. هو لا يراني، ولا يعنيه وجودي، دون أن أهزّ جسده أو أقف أمامه لافتةً انتباهه.
ذهبتُ أصنع الشاي لتحضير الفطور. غابَ فيّ الوعي من جديد، ليعود في أغلب المرات دوني، وإنْ كنتُ أنجح أحياناً في استدراكه. أطوفُ أنا كَزَبَدٍ يسقط من فم النجوم قبل الشروق على السطح.
سقط الكأس من يدي وفوقه مغيب أحمر. ذكرياتنا صمّاء أيضاً، تدرك تماماً كيف توجعنا وتحجب عنّا حوارها. كأنها فيلم تسجيلي لا يتوقف عن إرسال الذبذبات السريعة، الفلتات والسقطات والهفوات. ثم تغمض الشاشة وفوقها المغيب الأحمر: "هيا، سنتناول فطورنا اليوم في مطعم".
دون أي إيماءات كعادته، تناول مني الثياب التي سيرتديها.
المطعم صغير، في أقصى زاوية من نهاية الشارع. أجلسته على طاولة منزوية. تصفحنا قائمة الطعام، ثم ناديتُ النادلَ وطلبتُ وجبة الإفطار. نظرت إليه وابتسمت:

" لقد اخترتُ لكَ فطورك وانتهى. دع قائمة الطعام. لا تربك نفسك بها".
تركها وهو ينظر إلي. لا لم يكن ينظر إليّ، كأنّ هناك أنّاتٌ ما يحاول إرسالها لي بإشارات متّقدة تجهز للاشتعال. مددتُ يدي أمسك بيديه الصغيرتين:
"هل يوجعك شيء، حبيبي"؟.
لكنه سحبهما والتفتَ ينظر إلى البعيد.
كان شكلُ الفطور شهياً، ورائحته أيضاً؛ عندما كان النادل يضعه على الطاولة؛ لكنني كنت أفقد تلك الشهيّة والمذاق كلّما ذابا في عتمة المعدة.
سألته، وأنا أضع الزُّبدةَ فوق خبز التوست وأمدّها بالسكينة ثم المربى:
"هل أُعِدُّ لكَ واحدةً مثلها؟ لذيذة".
على غير العادة، حرّكَ رأسه برفض غاضب. تركتُ الخبز من يدي. آلمني شعورٌ بالذنب، ربما لأنني أتصرف وأسأله كأنني أجيب عنه مرتين، مرة باختياري ما أريد له، ومرة بتنفيذ هذا الاختيار. ترك السكين والشوكة. سألته باستغراب:
"الوجبة لذيذة، ماذا هناك"؟
لكنه سحب المنديل عن ياقته وخرج من المطعم. دفعتُ الحساب سريعاً ولحقت به.
* * *
جلسَ في سريره. ذهبتُ إليه. حاولتُ أن أعرف سبب حزنه، لكنه في كل مرة يشيح بوجهه عني. المزيد من التوسّل يسبب لي جرحاً أكبر، لذا،
تركته وذهبت إلى غرفتي. هل أنا مفرطة في تَغييبه عن ذاته؟ لكنه للمرة الأولى يرفض، ويعترض، ولا يرغب، ولا يريد، ولا يحب"!
لم يختر ثيابه لمرّةٍ واحدة، لم يمشط شعره وحده، لم يخرج دوني. في كل مرّة أقلّب المحطات فيرضى بما اختار له. أعرف تماماً ما يناسبه، وأحفظه عن ظهر قلب.
أفتعلتُ انهماكي بعملي في البيت وأنا أراقبه بين الفينة والأخرى، لكنني نفضت يديّ من الماء وحدّقت فيه صراحة. أحضرتُ بلّورته الزئبقية واقتربت منه:
- ولا لمرة واحدة نظرت إليك على أنك أصمٌّ، كما يراك الآخرون! اعدُّك صامتاً وعميقاً كهذه البلورة، صامتة في حراكها وعميقة في قيعانها".
قال لي بلغة الصمّ:
- أنا وحيد. هذه الكرة جزء من وحدتي، هذا السرير، الوسائد، الطاولة، التلفاز، خزانتي، ألعابي، كل شيء.
ضممته إليّ وقلتُ بنبرة حاولتُ أن تكون دافئة:
- أنا معك!
- أنتِ أيضاً جزء من وحدتي.
ثم اتجه إلى الحديقة يمارس لعبته المفضلة. كرة السلّة. كانت لعبته هذه المرّة وحده، ودوني.
لقد أصاب وأصابني. أنا جزء من وحدته، وهو جزء من وحدتي. ولأنها وحدةٌ ظننتُ أنَّ أمزجتنا ستتمازج. بِتُّ أفقد تذوقي للأشياء، وأتشابه مع
ابني الأصم في كل شيء. معه لا أحتاج للكلام. لغة جسدينا ذات شكل معتم منكمش، شكل غائر منسلخ. نظرت إليه من النافذة، لم يكن ليلتفت إليها، كأنّه يتعمد إقصائي عن مدى عينيه! حينها تلمّست وجهي وتساءلت: "هل أنا بشعة إلى هذا المدى، متى وحيدي سيدرك أني كأس ماء وهو مصبوب فيها. هو كأس ماء أنا مصبوبة فيها. نحن كجزيئات الماء وكشربة واحدة في الأمعاء. وكآدمي فارغ حين تفرغنا الكأس".
ابتعدتُ عن النافذة وقد أحسستُ أنّ قلبي كاد يتوقف. كان ارتطام الكرة بالنافذة مدوّياً وكاد يُحدث شرخاً فيها. رفعتُ ناظريّ باتجاهه، رمقني بنظرة جافة ومضى.
ترددتُ باللحاق به. أردتُ أن أقول له، إنه قادر على أن يفعل كل ما يريد، ولكنه لا يعرف ماذا يعني أن يريد. وقلتُ لنفسي بصوت أجوف مليء بالخوف: "سيعود، سيفعل ما أريده له. الواحدُ منا يُكمِلُ الآخر"!
قررتُ هذه اللحظة بالذات أن أعود إلى منزلي وسط العاصمة، وأن أترك هذا البيت الريفي:
"أنا أعي ما أريد. أريد أن أجدد له حياته. أن أعطيه كل حياته".
* * *
ذهب النهار كلّه، وما زال ذاك الفطور الذي سبق ساعات قبل الظهيرة حاضراً في ذهني. النهار لم يذهب وحسب، بل تآكلت خيوطه مع الانتظار. دخل الليل فيه، بارداً معتماً محاقاً، لا قمر ولا نجوم. انتظرته طويلاً وما زلت أنتظره. وهو مغيّب حتى الآن.
منال جمدي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.facebook.com/m.a.a.m.mksor?ref=tn_tnmn
 
نجوم في بلّورة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مجلة الكترونية - الهيئة الشعبية لتحرير الجولان ( موقع غير رسمي) :: الصفحة الرئيسية :: أخبار محلية-
انتقل الى: