علي قاسم
لم يستطع جميع المحللين والخبراء والاستراتيجيين وحتى المنجمين أن يرتقوا إلى مستوى «عبقرية» الرئيس المصري محمد مرسي في تحليله لما يجري في العواصم العربية والاسلامية من ردة فعل رافضة للفيلم المسيء للنبي (ص)،
حين اعتبر ذلك بأنه محاولة لصرف الأنظار عن سورية.
منذ صعوده حلبة الأضواء السياسية.. لم يتوقف الرئيس مرسي عن اتحافنا بهذه الدرر، ويؤكد في كل يوم يمرّ أنه من «طراز نادر»!! لم تعهده كراسي الرؤساء ولامقاعد السلطات، ويثبت أنه شخصية «فذة» تفسر إلى حدّ كبير أحد أسباب فشل الغرب في تمرير مشاريعه حين يعتمد على مثل هذه الشخصيات «العبقرية» التي تقدم تحليلاتها للأحداث بمثل هذا «النضج» السياسي «المتقدم» حتى على المشعوذين الذي عجزت عنه مراكز الدراسات الاستراتيجية الكبرى في العالم وفشلت في محاكاته دوائر السياسة العالمية!!.
والواضح أن «مرسي» قد ساق حتى نهاية الشوط في تقمصه للدور الجديد، ولن يتوقف عن تقديم المزيد من الأدلة والبراهين على قدراته «الاستثنائية» في خدمة المشروع الأميركي سواء من خلال تنسيقه المبكر مع اسرائيل أم في مد يده للمعونات الخارجية، وليدفع بمصر نحو قيود جديدة تضيع معها هويتها الوطنية، بعدأن أضاعت هويتها السياسية في ظل حكم الأخوان.
بالطبع من المؤسف أن نجد أكبر دولة عربية محكومة بضوابط الأخوان في نسختهم المنقحة أميركياً والمصنعة إسرائيلياً، والمؤسف أكثر أن تجير الأحداث بهده الطريقة وأن يكون تبرير التقاعس السياسي هشاً إلى هذا المستوى، وأن نرى اليوم في كل مايجري انعكاساً لهوامش الحرب الكونية التي تخاض اليوم على سورية، وحتى إذا وقع زلزال آخر في اليابان فلن نتفاجأ أن يجد فيه أولئك أيضاً محاولة لصرف الأنظار عن سورية.
في كل الأحوال ورغم المفاجآت غير السارة التي يصرّ الرئيس الأخواني على تقديمها بمناسبة وأغلب الأحيان دون مناسبة، فإن مايجري لم يعد ينطوي على مفاجآت تذكر، ولم يعد هناك مايمكن استغرابه في زمن بات فيه المنطق مقلوباً .. تتصدر فيه الأدوات الرخيصة واجهة العمل السياسي.. تقود المنابر وتحتل الشاشات بحثاً عن بطولات زائفة اصطنعتها أوهام الغرب المبنية أساساً على مأجورين قبلوا أن يكونوا أبطالاً لمسارح كاذبة ومسرحيات افتراضية.
كان البعض يعتقد بأن المسألة مجرد هفوة في السياسة، أو هي ربما كانت نقص خبرة في الممارسة، وقد تكون عدم دراية بأصول التعامل ، لكن مايجري يصعب على أي منطق أن يقدم تفسيراً له أو أن يجد مبرراً لهذا الهذيان السياسي والزوغان في الرؤية الذي يحكم جميع الأطراف المتورطة، القديمة منها والمستجدة.. لافارق بين الاثنين، وماصعب على الأول يتكفل به الثاني، وما خجل منه ذاك يفاخر به هذا.
المفجع لم يعد في تلك المقاربات المضحكة.. لكن في هذا المستقبل الذي يريد أن تؤسس له شخصيات من هذا الطراز، وأن يكون ثمن التضحيات التي قدمها المصريون وغيرهم الوصول إلى هذا الدرك أو الوقوع في هذا القاع الآسن الذي يجمع خلفه ترهات الباحثين عن موقع ودور على مقياس الرضا الإسرائيلي والقبول الأميركي، رغم أن الرئيس الأميركي نأى بنفسه عن التحالف معها، بعد أن كانت إحدى مقومات الاعتزاز الأميركي على مدى عقود.
فغضب العواصم لن يصرف النظر عمّا يجري في سورية، بل سيسلط الأضواء على ماخفي منها.. وسيكشف حجم التحالف الحقيقي بين الأميركي وأدواته الجديدة في المنطقة، لأنه لا يمكن لعاقل أن يربط بين ما يحدث وما يجري في سورية بهذه الهرطقة السياسية المفجعة التي تعكس إلى أي حد وصل الهذيان السياسي، ويحتاج الأمر إلى تنفيذ حجر سياسي كي لا يتورط أكثر.
وفي المحصلة حين يتقاطع تفسيره أو يتلاقى مع ماذهب إليه شيخ الفتنة، وما أبدعته مشيخات الخليج من أحكام سياسية غير مسبوقة في تحريم الاحتجاجات.. نفهم سرّ تلك «العبقرية» المنتجة جميعها بأمر عمليات يملي الالتزام الحرفي حتى في المصطلح.!!
a.ka667@yahoo.com